يعتبر تهديد الإرهاب على الولايات المتحدة فيها أقل مما كان قبل 11 سنة، ولكن الانسحاب الأمريكى من الشرق الأوسط لن ينهى الإرهاب الجهادى المعادى لأمريكا، بالعكس يبدو أن قوى إسلامية متطرفة أخذت تريد أن تدخل إلى «الفراغ» الذى نشأ بعد سقوط أنظمة الحكم العربية القديمة. وأصبحت ذراع القاعدة فى اليمن تُعرف عند الولايات المتحدة بأنها أخطر ذراع بين أذرع المنظمة. وإلى ذلك يُثبت الهجوم على السفارة الأمريكية فى بنغازى فى ليبيا، الذى قُتل فيه سفير الولايات المتحدة فى هذه الدولة، إلى أى مدى الفترة الانتقالية بعد الثورة زادت من التهديدات التى شكلها القاعدة، ومنه تهديدها فى المغرب، إضافة على زيادة قوة فروعها فى العراق وفى سوريا.
ما زالت الولايات المتحدة تحاول أن تقوى حليفاتها فى المنطقة. وأبرز تعبير عن هذه السياسة تقريب هذه الدول من الوصول إلى أنظمة سلاح أمريكية متطورة ترمى إلى مساعدتها على مواجهة تهديد إيران. إن بيع منظومات سلاح ووسائل قتالية من إنتاج الولايات المتحدة طريقة لزيادة تأثيرها وهو تقدير جوهرى عندها ولاسيما على ضوء الوضع الإشكالى للاقتصاد الأمريكى.
إن مقدار مبيعات السلاح الأمريكى فى السنوات الأخيرة لم يسبق له مثيل وهى مخصصة فى أساسها لدول الخليج. فقد بلغت صفقات الولايات المتحدة فى السنوات 2008-2011 مع العربية السعودية واتحاد الإمارات 70 مليار دولار. بل إن الولايات المتحدة تخطط لتزويد بعض دول الخليج بطائرات حربية متقدمة كثيرة، مثل إف 15 - إس. إى، ومنظومات دفاع جوى محكمة مثل تى.إتش. إى. إى. دى بل بسلاح موجه دقيق. لكن استعداد دول الخليج لأن تواجه إيران بصورة فعالة يتعلق بثقتها بالتزام الإدارة الأمريكية أن تخرج للدفاع عنها وهو التزام سيؤثر فى التقدير الأمريكى قبل الهجوم على إيران.
إن الشرق الأوسط بعامة هو المنطقة الأقل استقراراً فى العالم وسيظل كذلك لسنين طويلة بعد. إن نقل مركز الثقل الدبلوماسى والعسكرى الأمريكى من المنطقة إلى شرق آسيا أو من أجل «الانطواء» فى الداخل لن يزيده استقراراً. وإلى ذلك فى حين أن التحديات الاقتصادية والأمنية لمنطقة المحيط الهادئ هى فى أكثرها تحديات لأمد بعيد فإن تحديات الشرق الأوسط تبدو أكثر مباشرة بطبيعتها.
يشكل الشرق الأوسط جبهة مركزية فى مواجهة الأخطار المتوقعة للولايات المتحدة، والاتجاهات التى تظهر تباشيرها فيه قد تزيد أهميته كمنطقة أحداث حاسمة بالنسبة للأمن القومى الأمريكى. والشىء غير الواضح هو إلى أى مدى ستكون الإستراتيجية التى اتخذتها الولايات المتحدة فى السنوات الأربع الأخيرة التى تتشكل اليوم، ناجعة لمواجهة هذه التحديات. وسواء أكان بعض التوجهات التى وصفت آنفا تنبع من مذهب الرئيس أوباما السياسى أو تتصل بالوضع الاقتصادى فى الولايات المتحدة أم أن الأمر يتعلق عن رد على خيبة أمل الولايات المتحدة من الدفع قدما بسياستها فى الشرق الأوسط، فإن الإدارة الأمريكية توحى إلى المنطقة أنها ليست فى مقدمة اهتماماتها كما كانت فى الماضى. الحقيقة أن التغيير المرتقب لترتيب الأولويات الأمريكى سيمتد عشر سنوات تخفف شيئا ما من وخزته، لكن على الرغم من ذلك ينبغى ألا نتجاهل أن الحديث عن تغيير حاد قد تكون له آثار على الأمد البعيد على إسرائيل أيضاً التى تُعد الولايات المتحدة السند الرئيسى لها.
وكما وصفتها جميع التحليلات أيضًا، تذكر هذه الخطب «بالإمبراطورية الرومانية القديمة التى دفنت فى التاريخ بعد مواجهة الخراب الناتج عن الطمع بتحقيق الازدهار من خلال العدوان والحروب»، وأضافت الوكالة: «إن المصير البائس للولايات المتحدة، والمماثل لانهيار الإمبراطورية الرومانية، هو نتيجة لتاريخها من العدوان والممارسات التعسفية».
وفقط فى وقت سابق من هذا العام، وفى ضوء تقرير للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان فى كوريا الشمالية، أصدرت البلاد تقريرها الخاص حول حقوق الإنسان فى الولايات المتحدة، الذى خلص إلى نتيجة مفادها أن الولايات المتحدة «جحيم لا يطاق».
لكن، ورغم ذلك، تبقى المقارنة بين الولايات المتحدة والإمبراطورية الرومانية غير عادية قليلًا. حيث إن الدعاية الكورية الشمالية نادرًا ما تخرج من إطار الأساطير الخاصة بها للتفكير بتاريخ دول أخرى، ناهيك عن تلك الإمبراطوريات التى انتهت منذ آلاف السنين. وقال المنشقون عن كوريا الشمالية إن هناك مادة تعليمية تسمى «التاريخ العام للعالم» فى المدارس، ولكنها تركز فقط على أحداث القرن العشرين.
ومقارنة الولايات المتحدة بالإمبراطورية الرومانية ليست أمرًا جديدًا، حيث إنها كانت موجودة منذ عشرات السنين، إن لم يكن منذ وقت أطول بكثير. وقد كتب كولين ميرفى فى كتابه الصادر عام 2008 بعنوان «هل نحن روما؟»، أن عيون الأمريكيين وضعت على روما القديمة منذ ما قبل الثورة. وللحديث بقيه فالى الغد إنشاء الله تعالى.
وأشارت الدراسات إلى أن «معظم التلميحات عن التشابه بين أمريكا وروما تتجاهل تعقيد التاريخ الفعلى، حيث إن بعض المؤرخين يقولون إن روما لم تسقط حقًا، واعتمادًا على من يتحدث، تم استخدام روما بمثابة إما حكاية تحذيرية قاتمة، أو دعوة ملهمة للعمل، بالنسبة لأمريكا».
وفى السنوات الأخيرة، ومع تعرض أمريكا للدمار نتيجة الانقسامات السياسية الداخلية، وعدم اليقين الاقتصادى، والأعداء بجميع أنواعهم وفى جميع أنحاء العالم، يبدو أن الخيار السابق قد أصبح أكثر شعبية، وخاصةً بين المنافسين الجيوسياسيين للولايات المتحدة.
وبالنسبة لتلك القوى العالمية الصاعدة، يبدو أن مثل هذه الأخبار جيدة. حيث كلفت الصين هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية CCTV بإنتاج مسلسل تلفزيونى ضخم بعنوان «صعود القوى العظمى»، قبل بضع سنوات، الذى أعلن بشكل مباشر عن نهاية أمريكا. يتبع